السبت، 9 مايو 2009

أضواء على تاريخ مساكن
محاضرة الأستاذ
عبد الرزاق قراقب الشطي
التي ألقاها في الأيام الثقافية بمساكن
لسنة 1973
إخواني أخواتي
التاريخ فن و علم ..فن لأن الباحث فيه و المشتغل به يجد صعوبات و تعترضه حوائل فيسعى إلى التغلب عليها فيكسبه ذلك العناء تعلقا بما هو بصدده و يجد لذة حال وصوله إلى نتائج مهما كان نوعها.. و بملامسته حالة التذوق و الاستمتاع صح القول أن المؤرخ فنان..
وهو علم إذا ما وضعناه في إطاره الحقيقي الحر فليس التاريخ هذرا يمتزج فيه الصحيح بالباطل و تحشر الأقوال حشرا دون تدقيق فالعمل التاريخي يتطلب منهجية قومها الملاحظة و المقارنة و الاستنتاج.. و اشتراط هذا الميدان للنظام و للمنهج العقلي و الحذر تدعم القول أن المؤرخ عالم…
هذان هما العاملان اللذان وضعتهما اللجنة الثقافية المحلية بمساكن في اعتبارها عندما أزمعت فتح موضوع ” تاريخ مساكن”
فالأقاويل عديدة و بعضها متناقض و جميعها سطحي يفتقر إلى الأدلة و البراهين المستمدة من الوثائق و المخطوطات و الدراسات لا النابعة من العاطفة أو المتولدة عن الهوى المتعصب و الافتخار المزيف.
كان لابد من وقفة سليمة تضمن أرضية صحيحة صلبة يمكن انطلاقا منها توسيع هذا المبحث و تعميقه و تغذيته و تطويره. فتاريخ منطقة ما, لا يكتشف دفعة واحدة و حقائقه لا تفتح أبوابها للطّرق اللّيّن فلابد من عمل طويل النفس لأن الموضوع صعب المراس لأسباب كثيرة كنقص المعلومات و قلة الأدلة المثبتة أو النافية للافتراضات الشائعة المتداولة و نقص الإطار للتصدي لجوانب القضيّة.
و لم يفت كل ذلك في عضد أعضاء اللجنة فسعوا في أول مناسبة ثقافية كبرى و هي “الأيام الثقافية الأولى” المنعقدة في ربيع, 1973 إلى تنظيم ندوة تناولت عرضا لمعلومات كثيرة اهتدى إليها بعد بحث و تنقيب و جهد كبير شاب مثقف مختص في التاريخ و هو الأستاذ “عبد الرزاق قراقب الشطي” و أعقب ذلك نقاش بناء و تتقدم اللجنة إليكم في هذه النشرية بحصيلة ما قدم في الندوة شاعرة بأنها بداية لا غير إذ هي رغم قيمة ما أثبته الأستاذ المحاضر تحتاج إلى توسيع كفيل بإرضاء التطلع الكامل في نفوس مواطني مساكن و الحنين المرسوم في أعماقهم للحقائق النهائية في هذا المجال.
و نحن إذ نضع بين أيديكم هذه البادرة نُكبر فيكم لهفتكم التلقائية إلى معرفة تاريخ مساكن العزيزة و نعد كما سبق أن وعدنا بالنسبة لهذه النشرية فأنجزنا بواصلة السعي لا يفاد الموضوع حظه من شتى الجوانب و تتوجه بالشكر الحار و التقدير الخالص للابن الوفي و المثقف النزيه السيد عبد الرزاق قراقب الذي كان له الفضل في جمع ما تعتبره اللجنة منطلقا علميا للبحث الشامل في تاريخ مساكن
رئيس اللجنة الثقافية بمساكن
محمد الحبيب براهم
أضواء على تاريخ مساكن
إن انعدام المصادر و قلة الوثائق عن الموضوع الذي سأحدثكم عنه, جعلاني أتردد كثيرا حين طلب مني البحث في تاريخ مساكن…و لقد تساءلت المرار الكثيرة عما عساني أقول عن موضوع أهملته المصادر التاريخية أو لم تذكره إلا جزاقا ..فوجد الخيال الشعبي مجالا رحبا لينسج حوله أساطير وخرافات تناقلتها الألسن فهناك من يقول أن تأسيس مساكن يعود على العهد الروماني ويذهب إلى أبعد من ذلك فيأخذ اسم “وادي صريش” الواقع شمال البلاد و يعطيه طابع لاتينيا مدعيا أن مساكن كانت تسمىSARIGE ساريج … وهناك من يقول أن تأسيس مساكن يعود إلى العهد الأغلبي.
كل هاته الأقاويل لا تعتمد البحث العلمي التاريخي في شيء. فهي محض خيال…
و قد درست مجموعة من المصادر و الوثائق و المخطوطات تتعلق بتاريخ مساكن فطلب مني ذلك مجهودا كبيرا نظرا لتشتتها و تبعثرها و قد خرجت منها بنتيجة , و هي أن تاريخ مساكن ليس مضبوطا من أوله إلى آخره , و إنما هو مجرد لمحات و أضواء تتخللها فراغات كثيرة.
أمام هاته الوضعية رأيت أن أنسب عنوان للمحاضرة هو “أضواء على تاريخ مساكن” .
أهملت المصادر التاريخية-و أخص بالذكر منها- كتب المؤرخين و الرحالة و الجغرافيين العرب, و الإشارة إلى بلدة مساكن… و لعل أول ذكر لاسم مساكن في مصدر تاريخي محقق و منشور هو كتاب “المشرع المالكي في سلطة أولاد علي تركي” لمحمد الصغير بن يوسف. فقد تحدث عن مساكن سنة 1736 م و عن الدور الذي لعبته في الفتنة بين أنصار حسين بن علي (مؤسس الدولة الحسينية) و أنصار ابن أخيه علي باشا..(1) (و سنرى ذلك فيما بعد).
لقد ذكر أبو عبيد الله البكري في القرن الحادي عشر (ميلادي) قرية “منزل كامل” التي كانت تقع على الطريق الرابطة بين القيروان و المهدية .
كما ذكر “التيجاني” في أوائل القرن الرابع عشر (ميلادي) قرى هرقلة-و القلعة الصغرى و لمطة-وطبلبة-والبقالطة-والوردانين-ومنزل كامل-وزرمدين-وجمال. لم يتعرض أحد من هؤلاء إلى ذكر مساكن فماهو السبب يا ترى؟ سنحاول الإجابة عن هذا السؤال بعد قليل
1- Revenu Tunisienne 1896 - P 408
2- المسالك و الممالك ص 29
3- ح.ح عبد الوهاب - ورقات ج 2 ص 46
و قبل أن نخوض في مسائل أخرى…لنصعد معا سلم الزمن و نحاول أن نشاهد منطقة الساحل في العهود القديمة.
نحن نعلم أن هاته المنطقة كانت تؤلف منذ عهد بعيد وحدة جغرافية متكاملة تسمىByzacium تمتاز بفلاحة الزيتون و كثرة العمران
و تقول النصوص القديمة أن أول عطية غرس للزيتون بالمنطقة كانت على أيدي جنود تابعين لجيش القائد القرطاجني حنبعل (1) و قد زرع هؤلاء الجنود أرضا تمتد بينRuspina (المنستير) و حضر موت (سوسة).
و بقيت مقاطعة Byzacium (التي سماها الجغرافيون العرب فيما بعد مزاق أو مزاقية) في العهد الروماني أكثر المناطق عمرانا و أغناها ثروة-و لعل أقوى دليل على ذلك, هو كثافة المناطق الأثرية و تقاربها, مما جعلها لا تبعد عن بعضها البعض سوى بضع كيلومترات ….
و إذا ما نحن فحصنا الخريطة الأثرية لمنطقة مساكن و سرحنا نظرنا في دائرة لا يتجاوز قطرها العشرة كلم… استطعنا أن نحصي ما يقرب من خمس و ثلاثين نقطة أثرية…
1- AURELIUS VICTOR
- و قد سبق لي أن زرت و فحصت (صحبة أحد الزملاء من المعهد القومي للآثار ) عدة مناطق أثرية ؟؟؟؟؟؟ في أحواز مساكن أخص بالذكر منها قبر الخادم-ومعصرة الغولة ووادي صريش و غرس السدرية-و الوادي المالح فاستنتجت أن هاته الآثار هي في أغلبها بقايا لضيعات فلاحية عديدة يعود تاريخها إلى القرنين الرابع و الخامس ميلادي…و قد كانت هاته الضيعات تمثل و حدات سكنية عامة من فلاحة الزيتون كما تدل على ذلك آثار المعاصر…
- أما فيما يخص الحفريات فقد قام أثريون فرنسيون سنة 1906 بحفريات على الضفة اليمنى لوادي المالي (1) الواقع جنوبي مساكن. فعثروا على آثار حمام روماني, جرف الوادي أغلب أقسامه-وفي إحدى بيوت هذا الحمام و جدوا صورة على الجص تمثل إلها رومانيا نصفه الأول ثعبان و الثاني إنسان …و قد نقلت هاته الصورة إلى متحف سوسة … ( وهي الآن مفقودة)
- و في سنة 1928 وقعت حفريات بمنطقة السدرية الواقعة بين الكنائس و مساكن-فتم العثور على حمام روماني (2) لم يبق منه إلا القليل-و كان أهم اكتشاف عثر عليه هو كتابة على الفسيفساء تقول الكتابة مخاطبة كل من يزور الحمام “إن الاستحمام في الأودية جميل و مريح.. لكنك إذا دخلت هذا الحمام فإنك ستشعر براحة أكثر”
1- Bulletin de Sousse 1906 - P 212
2- Bulletin Ar Logique 1928 P 44
إن وجود هاته الحمامات , و الضيعات الفلاحية العديدة التي أشرنا إليها- تدل دلالة واضحة على وجود تجمع سكني هام في مكان ما من منطقة مساكن … ولقائل أن يقول لماذا لا نفترض أن مساكن, أو على الأقل قسما منها-أقيمت فوق أنقاض مدينة رومانية إذ أن كل القرائن تشير إلى وجود هذه المدينة..؟ لا تستطيع الإجابة عن هذا السؤال قبل أن نستنطق الوثائق الأثرية من جديد , و نرى ما تقول في هذا الصدد…
في سنة 1933(1) عثر المسمى محمد بن صالح المليح بالمكان المدعو “الولجة” و الواقع على بعد نصف كيلومتر جنوب غربي مساكن على لوحة من الرخام يبلغ طولها مائة وخمسين سنتمترا بينما يبلغ عرضها سبعين سنتمترا فأعلم السُّلط باكتشافه التي تولت نقل اللوحة في سنة 1938 إلى مقر البلدية …نقشت على اللوحة كتابة لاتينية إليكم ترجمتها:
” إلى الإمبراطور تراجانوس ابن المرحوم المؤلّه نرفاNerva سراجانوس الذي تحصل على لقب أغسطس و قيصر, و الذي غلب قبائل الجرمان و قبائل الداس (جهة رومانيا) حامي حمى الدين ..تراجانوس الذي نودي قائدا للشعب إحدى عشر مرة..و الذي سمي إمبراطورا ست مرات و قنصلا خمس مرات فأصبح أبا للوطن. إلى هذا الإمبراطور يقيم المواطن (نمجدوس) ابن كمليوس أصيل مدينة أوزاUZA و مدير الشعائر الدينية بها معبدا يمجد كل من يحمل لقب أغسطس في الإمبراطورية. ويضع في هذا المعبد تمثالا من الفضة كل ذلك على نفقته الخاصة”
IMPERATORI CAESARI DIVI NERVAE FILIO NERVA TRAJANO AVGVSTO GERMANICO DACICO PONTIFICO MAXIMO TRIBUNICIA POTESTATE XI IMPERATORI VI CONCULI V PATER PATRIAE NEGIDDO CAMILLI FILIYS VZAENSIS PRO HOMORE FLAMINI PERPETVIE TIS AEDEM AVGYSTOREM ET IMAGINEM ARGENTEAM SVA PECYNIA FECIT JDEMQUE DEDICAY IT.
I-Bulletin archeologique 1938- PP : 78-81
بقيت ظروف الاكتشاف مجهولة و غامضة ,فلا نعلم بالضبط المكان الذي استخرجت منه النقيشة ,ولا الإطار إلا الذي و جدت فيه.
على كل فإن النص يتحدث عن مواطن من أصل بربري كما يدل على ذلك اسمه (نمجدوس ابن كمليوس)أقام في سنة 107م (أوائل القرن الثاني ميلادي) معبدا و تمثالا من الفضة على نفقته الخاصة , فهذا المواطن كان إذا على درجة كبيرة من الثراء مكنته من إقامة تمثال من الفضة في المعبد الذي بناه و هو لَعَمري دليل واضح على غنى المنطقة و عما كانت تدره غابات الزيتون من خيرات في ذلك العهد… و هذا ليس بالأمر الغريب إذ يتحدث التيجاني في رحلته عن زيتون الساحل فيقول (1) “و قد أذهب إفساد العرب أكثره (يعني هنا العرب الهلاليين) وغير بعد الاستواء أسطره, فكأنه كان مغروسا على حالة معلومة و أسطر متناسبة منظومة فأبطل الإفساد أكثر ذلك, و على هذا الزيتون كان مدار غلّات إفريقية في القديم. و قد روي إن عبد الله ابن أبي سرح لما افتتح افريقية, وقتل ملكها وجد أكثر أموالهم الذهب و الفضة فغنم منها ملء أيدي جنده, و سألهم أنّى لكم هذا؟ فجعل أحدهم يلتمس شيئا في الأرض حتى أتاه بنواة زيتون فقال له من هذا أصبنا هذه الأموال”
ترون إذ أن هناك اتفاقا تاما في الفكرة بين النص اللاتيني والنص العربي. و إن اختلفت طرق التعبير ..فالمعنى واحد…
لنعد إلى النقيشة اللاتينية من جديد و نرى ماذا تعني حين ذكرت مدينة أوزا UZA التي أقام فيها المواطن نمجدوس المعبد و التمثال…فأين كانت توجد هاته المدينة يا ترى ؟
ما من شك في أنها كانت تحتل الأرض التي تمتد عليها مدينة مساكن حاليا… أو ربما كانت لا تبتعد عنها بكثير-ولقد تساءلت المرار العديدة عن مصدر الأعمدة و التيجان الرومانية التي استعملت في بناء الجامع الأوسط. و إن من ينتبه إلى الدقة التي نحتت بها التيجان يستطيع أن يستنتج بأنها كانت تزين محلا عموميا كمعبد أو صرح أو ساحة عمومية…
و لقد ذكرت مصادر رومانية (1) اسم أوزا UZA و قالت أنها كانت تقع جنوب HAIDRUMUTUM حضرموت (سوسة) و تبعد عنها بعدة لأميال.فهناك اتفاق تام بين معطيات النصوص الرومانية و معطيات الكشف الأثري.
نستطيع خاتمة هذا الفصل أن نحوصل فنقول ان كل القرائن التاريخية و الجغرافية و الأثرية تشير إلى وجود بشري هام بمنطقة مساكن في العهد الروماني…
بقي أن نتساءل هل أن أوزا التي تحدثت عنها النصوص التاريخية و الوثائق اندثرت تماما, أم أنها مازالت مطموسة تحت التراب…؟ يصعب علينا الإجابة عن هذا السؤال ما لم تجسر حفريات علمية مدققة… فالسؤال إذا يبقى مطروحا.
لقد استخرجنا من الوثائق الأثرية أقصى ما يمكن من المعلومات و يتوقف إلى هذا الحد دور هاته الوثائق.
تأتي بعد العهد الروماني فترة فراغ كبيرة, تواصلت إلى ما بعد الفتح الإسلامي بقرون…و كان هذا الفراغ يتواصل إلى العصور الحديثة لو لم أعثر مؤخرا على مخطوط بالغ الأهمية…
1-Iténéraire D’antonin
يحمل المخطوط عنوان دور الأشراف و قد تم و ضعه حديثا اعتمادا على وثائق جمعها المرحوم الحاج محمد القزاح-هاته الوثائق حسب ما قيل لي-تتمثل في عقود أملاك-وعقود زواج-و عقود حبس-وشراءات عدول تنتمي إلى عصور مختلفة.
أنبهكم قبل كل شيء إلى أنني سأستنطق المخطوط بكامل الحيطة و الحذر لأنه-حسب ما يبدو لي يحتوي على معلومات هامة يغطيها في بعض الأحيان غلاف سميك من الأساطير و الخرافات-و سنحاول معا انتزاع هذا الغلاف…
بتحدث المخطوط عن مساكن فيقول أن المؤسسين الأوائل للبلدة هم أشراف علويون ينتمون إلى فرع الأدارسة. و هم ثلاثة أشخاص “عبد المنعم”, “عبد المحسن” و “المكي”. هؤلاء الأشخاص هم أبناء و أحفاد الجد الثالث عشر لأهل مساكن و هو محمد بن محمد بن عبد الله ابن داود بن سليمان بن إدريس بن محمد بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين ابن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.
و يدعم المخطوط صحة هاته الرواية بشهادات عديدة صادرة عن قضاة و علماء ينتمون إلى العهد الحفصي و العهد التركي… و قد حاولت تحقيق هاته الرواية فلم أجد ما يدعمها إلا اشارة عابرة في كتاب “الدرر السَّنِية في أخبار السلالة الإدريسية”, طُبع هذا الكتاب بمصر سنة 1930 و هو من تأليف الشيخ “محمد ابن علي السنوسي” المتوفي سنة 1855 - يتحدث الكتاب عن الأدارسة و الأشراف العلويين و يقول في صفحة 100 مشيرا الى مساكن : “أما أهل مساكن بازاء القيروان من عمالة افريقية فجدهم اسمه محمد بن هلال بن محمد بن خليفة بن علي بن يحيى بن راشد ابن فرقان بن حسان بن سليمان بن أبي بكر بن موسى بن محمد ابن عبد القوي بن عبد الرحمان بن ادريس بن إسماعيل بن سليمان ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي و فاطمة بنت الرسول.
-نلاحظ هنا اختلافا بين السلسلة التي يذكرها المخطوط و السلسلة التي يذكرها كتاب “الدرر السَّنية” فالسلسلة الثانية أطول و أكثر تفرعا من السلسلة الأولى. ولعلها هي الأصح..
على كل ليس هذا المهم. إذ المهم هو أن كلتا الروايتين تتفقان في القول أن مساكن أسست من طرف جماعة من العلويين.
و ليس مستبعدا أن تكون هاته الرواية صحيحة, ذلك أنها بقيت متواترة الى عهد الباي علي بن حسين بن علي فقد أصدر هذا الأخير أمرا عليا في سنة 1760 و إليكم نصه : “الحمد لله. و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسليما. إلى من يقف على أمرنا من أولادنا الإخوة و الكواهي و القواد والمشائخ و الخاص و العام من دور الأحكام. سدّد الله أمر الجميع و وفق الكل لصالح القول و حسن الصنيع, و أما بعد, فإننا جددنا للسادة الأشراف أهل بلد مساكن مقتضى ما بيديهم من الأوامر السابقة في رعيهم و إغاثتهم و برّهم و إكرامهم و عدم الجسارة عليهم… تجديدا تامّا مطلقا عامّا من غير معارض لهم في ذلك و لا منازع و لا مخاصم ولا مُرافع و أوصينا فيهم خيرا و إكراما و إجلالا لجدهم المصطفى صلى الله عليه و سلم… فعلى من يقف على أمرنا هذا أن يعمل به من غير خلاف إن شاء الله.
و السلام من الفقير إلى ربه الباشا علي باي بن الحسين باي وفقه الله آمين.
بتاريخ جُمادى الأولى عام 1173هد (1760م)”
الجانب هذا فقد تحدث أحمد بن أبي الضياف عن أعلام مساكن في الجزء الخامس من كتابه إتحاف أهل الزمان و وصفهم بأنهم من سلالة العلويين كما أشار في الجزء الذي خصصه لدولة أحمد باي *(1) فقال متحدثا عن رحلة المشير عبر مدن و قرى الإيالة التونسية : “و أقام بصفاقس أياما و أتى المهدية و رأى آثار بني عبيد. ثم دار في بعض بلدان الساحل و أتى قصور مساكن بلد الأشراف و أقام بسوسة و أتى القيروان بلد الصحابة” و يذكر في مكان آخر (2) من كتابه أن الشريف عبد الرحمان بن سلطان المغرب أعجب بإصلاحات المشير أحمد باي في الميدان العسكري فطلب منه أن يرسل له ضباطا لأعانته على تكوين جيش عصري فسر أحمد باي بذلك. و يقول ابن أبي الضياف هنا : “فقيل (لأحمد باي) ومن ذا الذي تبعثه؟ فقال : أبعث الأمير آلاي حسن المقرون و معه ضباط من أشراف مساكن الذين بالعسكر, و عدد أفرادا منهم مثل أبي الحسن علي بن عمر المساكني الشريف و غيره من أهل الحاضرة… و أكاتبه بأننا بعثنا لشريف سلطنتك أشراف عساكرنا و جرايتهم علينا”..
ترون إذا أن كل القرائن تشير إلى صحة رواية تأسيس مساكن من طرف أشراف علويين, و ليس هذا غريبا, إذ نحن نعلم أن العلويين شتتوا و انتشروا في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
و يدعم المخطوط الذي أشرت إليه هذا الكلام فيقول :
“علم من التاريخ أن سلسلة الإنسان كلما انفصلت بعد تضاعف أفرادها شيئا فشيئا, إلى أن تتناسى أصلها و تجهل بعضها, وءولى من ذلك إذا انتقل بعضها عن بعض زمانا و مكانا… و أبناء بنت الرسول كذلك : فالأصل واحد, و لكن قضت حكمة الباري تعالى بكثرتهم في الكرة الأرضية و لا تخلو أبدا مدينة في العالم الإسلامي من ديار الأشراف.
كيف وقع تأسيس مساكن و في أي ظرف؟
هنا ألخص لكم بإيجاز ما قاله المخطوط : “خرجت عشيرة علوية من بغداد سنة 450 هجري 1058 ميلادي و ذلك نتيجة لخلاف بين أحد كبار العشيرة : عبد المنعم ابن هلال و الخليفة العباسي القائم و توجه أهل العشيرة نحو الحجاز فنزلوا بقرية بين جبلين مقصومة إلى صفين أحدهما يسمى الصفرة و الآخر الجديدة و موقع هاته القرية جنوب غربي المدينة المنورة.
فأقاموا هناك 15 سنة و لكن عدم صلاحية الأرض و تكاثر نسلهم جعلهم يهاجرون إلى بلاد المغرب فبلغوا قرية أنشأت حديثا تسمى بالفريات فاستقبلهم أهلها بالفرح و السرور فأقاموا بينهم 5 سنوات و هنا يتحدث المخطوط عن قرية الفريات فيقول وسبب إنشاء قرية الفريات أناس بالفريات القديمة الكائنة برقبة حكيم قرب جبل الجبابلة (يقع هذا المكان بالجنوب التونسي في منطقة مطماطة) فارتحلوا منها هروبا مما أصابهم و هي الآن خراب… وتوجهوا إلى جهة الساحل و أنشؤوا هذه القرية و سموها باسم بلدهم القديمة التي بجبل الجبابلة”
*عندما يقول المخطوط “ارتحلوا منها هروبا مما أصابهم” فهو يشير إشارة واضحة إلى الخراب الذي أصاب الجنوب التونسي نتيجة لغزوات بني هلال و بني سليم و سنتعرض لهذا الموضوع فيما بعد..
لنعد الآن إلى موضوعنا و نتبع أهل مساكن في ترحالهم و أترك المخطوط هنا يتكلم:
“بعد أن قام أهل مساكن بالفريات مدة 5 سنوات ارتحلوا في 475 هجري (الموافق 1082) إلى مدينة القيروان فأقبل عليهم أهل القيروان فرحين مستبشرين لنسبهم الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأقاموا بالقيروان و ملكوا ديارا بوسط المدينة و ملكوا أراضي حراثة فكبر نسلهم في ظرف 20 عاما و كثرت أولادهم ببركة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى أن وقع في بعض الأيام خروج أبناء الأشراف و أبناء القيروان يلعبون بالكرة المعروفة بالأعمدة. فأراد أحد أبناء الأشراف ضرب الكرة فوقعت ضربته على رأس أحد أبناء القيروان فهشم رأسه فسقط على الأرض ميتا فرفع أصحاب الهالك أمرهم للحاكم في عهدة تميم ابن المعز من الدولة الصنهاجيّة, طالبين القصاص في ابنهم, فثبت أنها ضربة خطأ. ثم قام عليهم أهل البلاد و طلبوا خروجهم من القيروان و رفعوا أمرهم إلى السلطان فحكم السلطان على جماعة الأشراف بالخروج و قال لهم “إذهبوا إلى أرض قمودة غرب القيروان (وهي تبعد عن القيروان مسيرة يومين) و لكم الإقامة بها دون أن يمنعكم أحد” فذهبوا إليها فوجدوها غير صالحة فكرهوا أن ينزلوا بها.
ثم ذهبوا إلى الولي الصالح سيدي الهاني واستشاروا به فقال لهم عليكم بشعبة السلطان التي هي شرقي مزارعنا فطلبوا موافقة تميم ابن المعز فتردد في بادئ الأمر لأنه يخشى تكاثر الفتن عند تكاثر الخلق و خصوصا الأشراف العلويون لأن بعض الناس في ذلك العهد مازالت متشيعة لهم و ناصرة و بعد التدخل من الولي الصالح سيدي الهاني وافقهم تميم فأقاموا رحالهم و خرجوا كلهم من القيروان بعد أن أقاموا بها 20 عاما متوجهين إلى الشعبة المذكورة
و كان ذلك سنة 495 هجري (1100م) فنزلوا و باتوا و كان مبيتهم في موضع الجامع الأوسط المعروف فكان من شرف هذا المكان أن لم يخرج من حيواناتهم غائط قط إلى أن أصبح الله بالصباح فلما نظروا ذلك قالوا إن لهذا المكان لشأنا عظيما فجعلوه مصلّى يصلّون به و انقسموا 5 عشائر و بنوا 5 قصور محيطين بالمصلى قبلي و جوفي و شرقي و غربي فمن سكن القبلي القبليين ومن سكن الجوفي الجبليين و من سكن الشرقي المناعمة و من سكن الغربي النجاجرة و الجديديين كل له قصره و لذلك سميت بالخمسة قصور و القصر عبارة عن صحن متسع تفتح في وسطه أبواب ديارهم و أول قصر بنوه هو قصر القبليين”.
نلاحظ إذا أن الرواية تحتوي على كثير من المعطيات الصحيحة و نستطيع أن نلخصها بعد أن ننتزع عنها الطابع الخرافي فنقول :
إن إفريقية كانت منذ أواسط القرن الحادي عشر مسيحي مسرحا لغزوات الأعراب الهلاليين و ذلك نتيجة للقطيعة التي وقعت بين الصّنهاجيّين و الخليفة الفاطمي بالقاهرة و إلى هاته الحوادث يشير المخطوط حين تحدث عن مغادرة أهل الفريات قريتهم بالجنوب التونسي و تأسيسهم بالقرية المعروفة بالساحل. و قد أدت هاته الغزوات إلى تخريب مدينة القيروان مما جعل أغلب أهلها يهاجرونها و لعل أهل مساكن استغلوا وجود هذا الفراغ فاستقروا بها مدة عشرين عاما و بعد استتباب نسبي للأمن بدأت القيروان تستعيد نشاطها و قيمتها عند ذلك شعر أهل القيروان بمضايقة أهل مساكن لهم فعزموا على إخراجهم (وكانت أسطورة الأطفال و الكرة).
ثم نحن نعلم أن تميم ابن المعز (1) كان مستقرا بالمهدية و كان في حروب مستمرة مع الأعراب الهلاليين و مع بقايا من دعاة الشيعة و لعل هذا السبب جعله يتردد حين طلب منه أهل مساكن أن يمنحهم أرضا يقيمون و يستقرون بها بحكم أنهم علويون محبذين للحكم الشيعي .
يبدوا مبدئيا أن الرواية أتت بمعطيات (لا نقول صحيحة) و إنما يقبلها المنطق و مع هذا نستطيع نفيها أو إثباتها لكن الذي يبعث عن الريبة و الشك و الحيرة هو ما يذكره المخطوط من تدخل الولي الصالح سيدي الهاني لدى تميم ابن المعز كي يمنح أهل مساكن أرضا يقيمون بها.
يتعرض الجغرافي الفرنسي DESPOIS في أطروحته عن الساحل و السباسب السفلىSahel et basses steppes إلى ظروف تأسيس كثير من قرى الساحل-فيذكر قدوم مجموعة كبيرة من الأولياء المتصوفين (أثناء القرنين 15/16م)
أتى هؤلاء المتصوّفون من منطقة السّاقية الحمراء (بالجنوب المغربي) و أسّسوا أو كانوا سببا في تأسيس كثير من القرى بالسّاحل مثل بنّان (التي أسّسها سيدي أحمد البنّاني) و قصيبة المديوني (التي أسّسها سيدي عبد الله المديوني) و بومرداس (التي أسّسها سيدي بومرداس) و الولي الصّالح سيدي الهاني كان من بين هؤلاء..
نلاحظ أن هناك خطأ فادحا فالمخطوط يجعلنا نشك في صحة روايته إذ هو يضع سيدي الهاني في العهد الصنهاجي بينما في الحقيقة عاش في أواخر العهد الحفصي …
و إن صح الدور الذي لعبه الولي سيدي الهاني في إعانة أهل مساكن على إقامة بلدتهم فإنه يصبح من الراجح أن يكون تأسيس مساكن قد وقع في أواخر العهد الحفصي أي أوائل القرن السادس عشر و يبدوا لي أن هاته النظرية أكثر مما يدعيه المخطوط ذلك أنها أقرب إلى الواقع و المنطق إذ بها نستطيع أن نفسر سكوت المؤرخين و الرّحّالة والجغرافيّين العرب عن ذكر بلدة مساكن.
و فيما يخص اسم مساكن تعرّض المخطوط الى ثلاث روايات :
-الأولى و هي أن زنجيا مرّ بالطريق فرأى الحثالة الرّثّة للبلدة الجديدة فصاح “مساكن” و سميت مساكن
-الرّواية الثانية وهي أن مساكن هي جمع مسكن- و يؤيّد المخطوط هاته الرواية فيقول : “لا سميت مساكن لأن مسكين تُجمَع على مساكين و لا تُجمَع على مساكن اعتمادا على ما جاء في القرآن (فأما السّفينة فكانت لمساكين)”
-و الرّواية الثّالثة : وهي أن البلدة كانت عند نشأتها تُسمّى بالقصور جمعا لقصر من طرف أهلها لكن القرى المحيطة بها كانت تسميها مساكن التي هي جمع لمسكن و قد شاعت التّسمية الثانية و غلبت التسمية الأولى…
و يبدو لي لأن الرواية الثالثة هي أقرب إلى المنطق من الروايتين السابقتين ذلك أنه مازالت بالساحل قرى تحمل اسم قصر أو قصور مثل قصر هلال و قصور الساف فليس من المستبعَد أن تكون مساكن قد حُمّلت اسم “القصور”قبل أن تُعرف باسمها الحالي…
وفي خاتمة هذا الفصل نستطيع أن نحوصل فنقول أن تأسيس مساكن قد وقع قي أواخر العهد الحفصي إذ أن كل الدلائل و القرائن تؤكد هذا الرأي…
أما فيما يخص رواية المخطوط التي أشرنا إليها فانه بإمكاننا القول بصحّة معطياتها ان نحن وعناها في إطار تاريخي يوافق أواخر العهد الحفصي (أي بداية القرن السادس عشر)
وبعد فترة التأسيس تدخل مساكن في عالم النسيان فنبقى مدّة دون أن يأتي لها ذكر في أي مصدر من المصادر, ولعلّ هذا راجع إلى انعزالها و بعدها عن الطرق الحسّاسة.
و يأتي القرن الثامن عشر فينتصب الحسينيّون على عرش الايالة التونسية .. و يحكم حسين بن علي البلاد فيستب الأمن لمدة من الزمن لكن سرعان ما يدخل في نزاع مع ابن أخيه علي باشا فيثور هذا الأخير على عمه ويلتجئ إلى جبل وسلات حيث أعلن حركة العصيان … و تقوم آنذاك الحرب الأهليّة فتنقسم البلاد إلى حزبين متناحرين :
- حزب الباشيّة و يضم أنصار علي باشا
- حزب الحسينية و يضم حسين بن علي…
وقد ذكر محمد الصغير بن يوسف في كتابه “تاريخ المشرع المالكي في سلطنة أولاد علي تركي” ذكر هاته الحوادث باسهاب و تحدّث عن مساكن (1) في سنة 1736 فقال ما معناه : “اعتنقت مساكن وجملة من قرى السّاحل حزب حسين ابن علي- ودامت الحرب الى أن هزم علي باشا عمّه حسين, عند ذلك قرّر القصاص من كل القرى التي ناصرت أعداءه … فأرسل الى مساكن ابن يونس على رأس محلّة .. فهاجم مساكن ودارت معارك حامية في شوارع البلدة … وعندما أدرك أهل مساكن أنهم مغلوبون لا محالة, فكّروا في الاستسلام خوفا على أرزاقهم و أرواحهم.. عند ذلك سلط عليهم يونس غرامة بثمانين ألف ريال”.
و يجدر أن نشير هنا أنه على اثر هاته الحرب بين الباشية و الحسينية تم تخريب قرى جبل وسلات و تشتيت جميع سكّانه, فالتجأ قسم كبير منهم بمساكن حيث استقرّوا, و لا تزال حي بالبلدة يحمل اسمهم الى الآن …
قبل أن نتحدّث عن حوادث سنة 1864 ودور مساكن في هاته الحوادث أردت أن أشير هنا الى وثيقة هامّة عثرت عليها بقسم المخطوطات بالمكتبة الوطنيّة.
هاته الوثيقة هي رسم تخطيطي لمدينة مساكن تم وضعه في سنة 1856م من طرف التلامذة الضباط لمدرسة باردو العسكريّة .. لهذا الرّسم قيمة علمية كبيرة, اذ هو يذكر أهمّ معالم البلدة كالمَعَاصر, والمساجد, والحمامات, وزوايا الأولياء…
و إذا نحن تأملنا هاته الوثيقة رأينا أن لمساكن شكلا دائريا مع نواة مركزية تضم الجامع الأوسط و السّوق القديمة, و الأحياء المحيطة بها.
و تزداد قيمة الوثيقة إن نحن قارنّاها بصورة جوّيّة للمدينة التُقطت سنة 1962 -من هاته المقارنة نستطيع أن نستجلي ما يلي :
(1) أن مساكن كانت تخضع نوعا ما إلى نظام عمراني ذلك أنها انتشرت و تفرّعت حوا محورين هامّين : المحور الأول يمتد من الشرق إلى الغرب مخترقا الوادي الجبلي. وكان يربط مساكن بسوسة و القيروان…
I- Revue Tunisienne 1896 - P : 408
أما المحور الثاني فهو يمتد من الشمال إلى الجنوب و يربط مساكن بقرى بني كلثوم و البرجين و المردين والمسعدين و القصيبة فالطريق الرئيسية رقم واحد الرابطة بين تونس و صفاقس و التي تمرّ غربي مساكن لا ترتبط عمرانيا بالبلدة فهي إذا مضافة حديثا.
(2) الاستنتاج الثاني الذي نستطيع استخلاصه هو أن النواة المركزية التي تحدثنا عنها تبدو واضحة في رسم 1856 وفي الصورة الجوّيّة التي أخذت عام 1962, وهذا يدعم ما قاله المخطوط حين تحدّث عن تأسيس الجامع الأوسط و القصور الخمسة المحيطة به و اعتبر هاته النواة كأقدم…
حوادث سنة 1864
و تأتي سنة 1864 و معها ثورة علي بن غذاهم و الاضطرابات الخطيرة التي عمّت البلاد التّونسية فتتحدّث المصادر التاريخيّة بإسهاب عن الدور الحساس الذي لعبته مساكن في هاته الثورة - هاته المصادر عديدة و متنوّعة نخصّ بالذكر منها : مراسلات قناصل الدول الأوروبية المقيمين آنذاك في سوسة و ما كتبه أحمد بن أبي الضياف في الجزء الخمس من كتابه “إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس و عهد الأمان” (1) “لقد شقت مساكن عصا ا الطاعة في وجه محمّد الصادق باي و تزعمت حركة العصيان في الساحل درجة أن بعض المؤرّخين تحدّثوا عن كتلة ثوريّة (2) يحرّكها و يديرها أهل مساكن”
ففي يوم 23 جويلية 1864 ضربت مساكن و من معها من القرى الحصار حول مدينة سوسة التي كانت مناصرة الباي. و اشتدّ البلاء بأهل سوسة بعد أن عطبت قنوات المياه الصالحة للشراب و انقطعت خطوط التموين و عمت الفوضى جميع مناطق الساحل و أصبح الوضع ينذر بالخطر نظرا لمرابطة الأساطيل الأجنبية بميناء سوسة و تهديدها بالتدخّل… أمام هاته الحالة جهز الباي جيشا و وضع على رأسه أمير الأمراء أحمد زرّوق و تحرّكت المحلّة من باردو يوم 29 أوت 1864 و سارت متباطئة وفي هاته الأثناء حاول الباي استعمال الحوار و التفاوض لإرجاع أهل مساكن عن غيّهم فأرسل الفريق حسن المقرون مدير الشرطة بتونس إلى أهل مساكن فخصّوه بقبول حسن, لكن عندما طالبهم بالاستسلام عمدوا إلى قتل أحد أتباعه فأحسّ بالخطر و فرّ إلى مدينة سوسة و أعلم الباي بفشل مهمته.
و مُنّيَ الشيخ محمد العذاري بفشل مماثل رغم السمعة الأدبية و الدينية التي يتمتع بها عند أهل البلاد.
و يقول أحمد بن أبي الضياف متحدّثا عن مهمة الشيخ محمد العذاري : “و تفاقم حال مساكن و من معها, و كلما أتاهم رجل من أهل الخير و الصلاح طردوه. و أتاهم الشيخ الصالح السالك أبو العباس أحمد بن عبد الوارث فامتنعوا من قبوله و قالوا “لو يأتينا نبي ما نقبله” و قالوا أيضا “ما بال هؤلاء يرسلون إلينا في البباصين و في بلدنا بباص يبكي كل يوم في الجامع” يعنون السيد الشريف السالك الصالح الصوفي أبا عبد الله محمد العذاري- هكذا نُقل عنهم و الله أعلم. فإن صح النقل فهو من أعظم الأدلّة على أن الأمر وقتئذ بيد همج الهمج الذين لا يكونون يفقهون حديثا, لأن مثل هذه المقالات لا تصدر من ذي مروءة” (1)
ترون إذا أن جميع الوسائل السّلمية لم تعد تجدي نفعا فلم يبق أمام الباي و الحالة هاته إلا أن يطلق العنان لأساليب القوّة…
وصل أحمد زرّوق بمحلته إلى سوسة يوم 8 أكتوبر 1864 و دخلها دخول الفاتحين. و انصبّت سياط الزجر صبا لا شفقة فيه و لا رحمة- و كان لمساكن الحظ الوفير من التنكيل و الانتقام فأعدم زعماء التمرّد مثل الدهماني البوجي و ابن حفصيّة. و عذب القائمقام (colonel) علي بن عمر ابنه إلى أن أشرفا على الهلاك…
أما عامة أهل البلاد فقد سلطت عليهم الغرامات تلو الغرامات و استعملت في سبيل ابتزاز الأموال و الثروات أشنع الوسائل و أفضعها و مما يروى أن أحمد زروق بلغت به القسوة الى درجة أنه كان يلقي بالناس في المطامير و ينزل الحيّات و الثعابين من فوقهم مهددا اياهم بالقائها عليهم ان لم يخبروه بالأماكن التي أخفوا فيها ثرواتهم العينية…
و قد ابتز أحمد زروق من الساحل و قُراه في تلك السنة ما يقارب 25 مليون ريال في حين أن الضرائب العادية الموظفة على الساحل لا تتجاوز الأربعة ملايين من الريالات.
نرى إذا أن محنة 1864 كانت بمثابة الكارثة بالنسبة للساحل و قُراه.
وقد كان لمساكن النصيب الوفير من النكبات نظرا للدور الحسّاس الذي لعبته في ثورة 1864, و يطول بنا الحديث ان نحن استعرضنا نتائج هذه الثورة و تأثيراتها…
و لعل أبلغ نص يستطيع أن يعبّر عما تركته كارثة 1864 بمساكن هو ما كتبه دوكروكي Ducroquet (مدير الماليّة العام بتونس) سنة 1897 فقد زار هذا الأخير بإيعاز من المقيم العام كثيرا من مدن و قُرى الساحل لجمع معلومات و تحليل الوضع الاقتصادي و اقتراح حلول ملائمة له
و في ماي 1897 زار دوكروكي مساكن (أي بعد ثورة 1864 بثلاث و ثلاثين سنة) و قد ترك لنا و صفا حيا و دقيقا للبلدة- و نظرا لأهمية هذا النص فقد ترجمته بحذافيره و اليكم نصّه:
“La Crise Economique dans le Sahel”
P. Ducroquet كان مديرا عامّا للمالية قام برحلة عبر مدن و قُرى الساحل زار مساكن في شهر ماي 1897
“و اجتزنا المسافة الفاصلة بين القصيبة و مساكن, دون أن نلاقي أحدا من البشر أو من الحيوان
مساكن هي قرية متناهية الأطراف تفوق من حيث المساحة مدينة سوسة نفسها.. يقوم سكان هاته القرية برحلات عديدة إلى الجزائر لتهريب كميات هامة من التبغ..
و يعتبر الخليفة الحاج أحمد رزق الله في نظر مدير مصلحة الاختصاصات أبا لهاته التجارة غير الشرعية, فهو يغض الطرف و يحمي متعاطي تهريب التبغ. و لقد علمت من المراقب المدني أن هذا الخليفة يفكر في الاستقالة فليطيب الله ثراه.
إن الحثالة الرثة التي عليها منازل الأهالي, تحز في كل من يزور بلدة مساكن فالجدران متهدمة إلى درجة أنها تمكن كل فارس يمر في الشارع من رؤية الساحات الداخلية للمنازل. زد على ذلك أن غالبية الأبواب متداعية للسقوط…
بعد أن سرت بضع خطوات التقيت بأوّل جمع من الأهالي, وقد تمددوا على الأرض يلعبون “الخربقة” وهم يقتربون شيئا فشيئا من الحائط تفاديا لأشعّة الشمس المحرقة. وقد شاهدت خمس أو ستّ مجموعات مماثلة قبل أن أصل إلى وسط البلدة…
إن هؤلاء الناس في ضنك كبير, لكنهم غير واعين بذلك. ومن الغريب أن بلدة يقارب عدد سكانها أربعة عشر ألف ساكن لا تحيط بها إلا بساتين قليلة, و أراض ضعيفة الانتاج… ولعل هاته الظاهرة تفسر تعاطي السكان تهريب التبغ, ودخلنا مكتب الخليفة الواقع في وسط البلدة وجدنا ثمانية مشائخ : أربعة لأصيلي البلدة و أربعة للمهاجرين مثل الوسالتية و الككرامصة و المحاجبة M’AJBA و الموانسة
I-Revue Tunisienne 1909-P ; 23-24
تبتعد مساكن ثلاثة آلاف و خمسمائة شخص يخضعون لدفع الضرائب من جملة ثلاثة آلاف و خمسمائة ساكن… وذلك حسب قول الخليفة. و لعل التعداد الصحيح يفوق هذا الرقم بقليل…
تنحصر موارد السكان في فلاحة الزيتون و الحبوب. و هم يملكون أراضي شاسعة في منطقة تقع في اتجاه القيروان و تبعد عن البلدة ما يقرب من الخمسة عشرة كلم… و ملكية أغلب هاته الأراضي هي ملكية جماعية. ففي كروسية مثلا هناك مساحة أربعمائة ماشية على ذمة فرقة من قصر الجبليين و في هنشير سيدي الهاني سبعمائة ماشية يملكها جماعة من مساكن و جماعة من سيدي الهاني..
هنشير “زردوب” ثلاثمائة ماشية يملكها أولاد المقرون و ورثة بن عمر و ثمن كرء الماشية يتراوح بين أربعين و خمسين ريالا..
هنشير “الزيّات” مساحته ثلاثمائة ماشية تملكه جماعة من مساكن و جماعة من الكنائس
هنشير “لحيمر” مساحته مائتا ماشية, وهنشير الشيخ مائة ماشية و هنشير الزتلي مائة و خمس وعشرون ماشية. ثم هناك مجموعة من الأراضي تبلغ مساحتها ثلاثمائة ماشية تقع في منطقة جمّال و يملكها أهالي مساكن.
كل هاته الهناشير تجمع مساحة ألفين و خمسمائة و خمس و عشرين ماشية. أي ما يناهز العشرين ألف هكتار
أما فيما يتعلّق بالزيتون .. فأهل مساكن يملكون ما يقارب من مائتي ألف عود زيتون و يتراوح ثمن العود بين 15 و 20 فرنكا .. و أكبر غرس للزيتون يحتوي على 1200 عود .. أما بقية الغروس فهي متر متفرقة و قليلة الأهمية من حيث عدد الزياتين .. و قد قام الخليفة مؤخرا بغراسة زياتين عديدة بمنطقة جمّال و هذا مما يدل على صلاحية المنطقة لمثل هذا النوع من الزراعة..
و أغلب الزياتين في الوقت الحاضر مرهونة, و يغلب على الظن أن الربع فقط بقي غير مرهون, زد على ذلك أن خمسة عشر ألف عود سقطت في أيدي السماسرة و ذلك لعدم قدرة مثير من أهل مساكن على التخلص من ديونهم..
وقد علمت أن ما يقرب من مائة و خمس و ثلاثين ألف عود زيتون وقع رهنها. فإذا اعتبرنا خمسة عشر فرنكا للعود فإن هذا يمثل دينا بمبلغ مليونين من الفرنكات
و مما زاد الحالة تعكرا هو انتهاء أجل بعض الديون و قد أخذت بعض التتبعات العدلية مجراها بعد…
و قد أعلمني أحد سكان البلدة أنه معرض للتبعات العدلية نتيجة لاقتراضه منذ أربع سنوات خمسين مطرا (840 لترا) من الزيت بلغت الآن مع زيادة الفائض ثلاثمائة و خمسين مطرا (1200 لترا)
(و هذا يمثل فائضا سنويا مجحفا يبلغ 100 بالمائة)
و تجري عقود القرض عادة في مساكن أو في سوسة, و يغتنم السماسرة فرص القحط و الجفاف ليقرضوا من هو في حاجة إلى الدراهم مقابل رهن أراض أو زياتين…
و مما يزيد الطين بلّة هو أن أغلب أهالي البلدة يقترضون المال و يعيشون على أمل خدّاع يجعلهم يعتقدون أن الصّابة القادمة ستكون طيبة إلى درجة أنها ستمكنهم من خلاص ديونهم … فالحالة الاقتصادية متعكّرة .. و هذا مما جعل الأهالي يطلبون إعانة الحكومة لا لتقرضهم المال و إنما لتضع حدّا لاستغلال السماسرة الفاحش..
و قد سألت بعضهم عن إمكانية طلب قرض من إحدى الشركات مقابل رهن عقود الهناشير عوضا عن الزيتون .. فأجابوني بالرفض.
توجد بمساكن معصرة زيتون يعمل بالبخار و هي على ملك شركة روبار Robert كما توجد أيضا ست معاصر حديثة يملك بعضها حمدة الصيد و بعضها الزليفة و بعضها الآخر المقرون…
أما بقية المعاصر فهي خمسون و تعمل بالطريقة التقليدية .. و لقد لاحظت أن هناك ما يقرب من خمسين طريقا تربط بين مساكن و غابات الزيتون المحيطة بها..
و إني أقترح أن يقع إحصاء كميات الزيتون التي تعبر هاته الطرق و الموجهة نحو المعاصر.. و بهاته الطريقة تكون الضريبة الموظفة على الزيت مطابقة للكميات المتخرجة من العصر…
أعلمني الخليفة أن ما يقرب من مائتي عائلة قد غادرت البلدة للبحث عن الرزق في مناجم الفسفاط بتبسّة… و لقائل أن يقول أنها طريقة استعملها الخليفة لحماية رعاياه فهم يعملون بتبسة مدة لا تفوق الثمانية أيام و يعودون الى بلدهم و جيوبهم مملوءة…
طالت محادثتي مع الخليفة إلى درجة أنها أنهكتني و أنهكت المترجم, زد على ذلك أن القهوة التي قُدمت إليّ تساقطت فيها مجموعة عائلة من الذباب…
فودّعت ضيوفي شاكرا و غادرت البلدة .. و بعد مسيرة أميال و ضعت ترحالي في غابة من الزيتون لتناول طعام الغداء فلحقني أحد شيوخ مساكن و كان ممتطيا حمارا, فناولني سلّة فيها ربع خروف و ست برتقالات, فأعلمني أنها هديّة من الخليفة بعد أن رفضت تناول الغداء عنده, فشكرت الشيخ و أخذت برتقالتين و أرجعت له الباقي.
و تجاذبت الحديث معه فقال لي أن أهل مساكن رفضوا رهن عقود هناشيرهم و ذلك لسبب هو أن أحمد زروق بعد إخماده لثورة الساحل سنة 1864 طالبهم برهن عقود ملكيتهم مقابل تسلُّمه من بعض يهود سوسة مبالغ مالية تمثل الغرامة التي وُظّفت على أهل البلاد- و بعد إتمام هاته العملية وجد الناس أنفسهم غير قادرين على دفع ديونهم و طالت بهم المدة فارتفع ثمن الفائض و في آخر الأمر أُرغموا على التفويت في أرزاقهم…
و لما انتهى الشيخ من كلامه أشعرته بأن عهد أحمد زروق قد ولّى و انقضى, و أن الحكومة عازمة على اتخاذ إجراءات لمنع هذا النوع من الاستغلال, و أجابني بأن أهل مساكن مستعدون لرهن عقود ملكيتهم جماعيا, مقابل ضمانات و ذلك للتحصل على قروض مالية تمكنهم من وضع حد للأزمة الاقتصادية التي مازالوا يتخبطون فيها…”
نرى إذا أن نص دوكروكي يحتوي على معلومات قيّمة و ثمينة و هو يتطلّب بحثا عميقا و تحليلا شاملا إذ هو فكرة واضحة عن حالة مساكن الاقتصادية و الاجتماعية في فترة مرت عليها ما يقرب من خمس و سبعين سنة
و لا أريد أن أختم محاضرتي دون أن أحدّثكم عن عَلَمين أنجبتهما مساكن, نبغ الأول في ميدان الفقه و العلوم الدينية و الثاني في ميدان السياسة. هذان العلمان هما “سيدي علي بن خليفة” و الفريق المقرون..
نشأ “أبو الحسن علي ابن خليفة” بمساكن و ليس لن الآن معلومات إلا عن تاريخ ولادته أو وفاته و كل ما نعرفه هو أنه تتلمذ على “الشيخ علي النوري” بصفاقس. و كان ذلك من سنة 1095 هد(1683م) إلى 1100 هد(1688م) ثم ارتحل إلى مصر حيث تتلمذ على شيوخ و فقهاء كبار و يبدو أنه أدى فريضة الحج سنة 1690 - و من تأليفه منظومة في التوحيد و رحلة يذكر فيها تنقلاته و اتصالاته بأهم شيوخ و فقهاء المغرب و المشرق - وقد تحدث عنه “محمد بن سعيد مقديش الصفاقسي” (المتوفي سنة 1813) في كتابه “تحفة الأنظار” فقال :
“و كان أبو الحسن علي ابن خليفة صالحا تقيا عفيفا متكلما, محدثا, مفسرا, واعظا عارفا بعلوم العربية بأسرها و أصول الفقه و فروعه .. سافر لمصر و رجع لبلده مساكن فأنشأ بها زاوية. فكانت بقعة مباركة ولم تزل عامرة بطلبة الكتّاب و السنة و بكل خير. و أحفاد الشيخ قائمون عليها فخرج منها فقهاء و صالحون. و أنشأ زيتونا كثيرا أوقفه عليها. قال بعضهم : قصدنا الشيخ (علي بن خليفة) بالزيارة فقالوا لنا اذهبوا إلى الغروس بالمكان الفلاني فذهبنا لنجتمع عليه و كان عقب مطر فوصلنا المكان فوجدنا الشيخ في مكان جالسا يمنع خروج الماء من الغروس. فلُمناه على ذلك فقال : حبب إليّ من دنياكم ثلاث : الغروس و ملازمة الدروس و الملك القُدّوس. و قد أخذ عنه العلم عدة أفاضل منهم نجله أبو العباس سيدي أحمد الصغيّر و الشيخ المفتي أبو عبد الله محمد الهدة السوسي و الشيخ المفتي بتونس سيدس قاسم المحجوب و غيرهم..
-اجتمعت سنة 1208 هد- 1793 بالشيخ الشريف سيدي عبد الكريم ابن أحمد ابن الشيخ علي بن خليفة. فوجدته رجلا حسن الصورة و الهيئة و الخُلق, آثار الصلاح عليه لائحة ليّن الجانب محبا للعلم و أهله و هو ساعة التاريخ شيخ زاوية جده و هي إلى الآن لم تزل عامرة بطلبة الكتاب و السنة جعلها الله عامرة بأهل الخير و ال�لاح..
- الفر�ق حسن ا�مقرون :����حسن ابن عمر المقرون, �شأ و ترعرع بمساكن و انخرط في سلك الجندية في عهد أحمد باي فتدرّج في سلم الخدمة العسكرية من انباشي إلى أن صار أمير لواء…
و قد كان على درجة كبيرة من المعرفة بالعلوم الإستراتيجية و العسكرية في ذلك العهد فقرّبه أحمد باي و منحه قصرا بمساكن, وكان هذا القصر (أو السراي) قد شُيد من طرف الوزير شاكير صاحب الطابع حسين كان عاملا على الساحل
سُمي في فيفري 1862 رئيسا لشرطة العاصمة, و هنا بدأ دوره السياسي .. ففي أثناء فتنة 1864 حاول أشخاص يسمّيهم ابن أبي الضياف “بعض الأوباش من سفلة العامة” نهب ممتلكات اليهود بباب البحر بالعاصمة .. خالقين بذلك للأسطول الفرنسي المرابط بميناء حلق الواد تعلّة للنزول و التدخل…
فاتخذ الفريق المقرون موقفا صارما و خرج على عجل من مقر عمله متوجها الى مكان الاعتداء و فض المشكلة بطريقة حازمة جعلت الباي يشكره عليها و يعظمه…
و قد لعب دورا في محاولة تهدئة أهل مساكن أثناء فتنة 1864 و باءت مهمته بالفشل.. و قد وصفه أحمد ابن أبي الضياف فقال : “و كان شهما حازما نقي العرض, بعيدا من التصنّع, نزيه النفس طالي الهمة يقدم أدنى مصلحة عمومية على أعظم مصلحة تخصه, ناهيك عن أخلاق عالية و نفس عصامية.
توفي الفريق المقرون في ماي 1872 و قد حاول أخوه نقل جثمانه إلى تربة آله بمساكن- إلا أن الباي أصر على دفنه بمقبرة السلسلة بالعاصمة.
هذا ما استطعت جمعه من معلومات عن مساكن, تمكنّا بها من الإطلاع على مختلف مراحل تاريخ البلدة.
و الموضوع بدون شك مازال يتطلب المزيد من الدرس- و كل الذي أتمناه هو أن تكون هاته المحاضرة بمثابة نواة لبحوث تكون أكثر دقّة و شمولا- و سوف لا يكون ذلك ممكنا إلا إذا مدنا بعض الإخوان من مواطني مساكن بما تجمع لديهم من مخطوطات ووثائق..